الثلاثاء، أبريل 06، 2010

2- المتاح ...... والمطلوب

إن من أشد دلائل ثقافة الذراع في مصرنا العزيزة هي الحجة الأبدية التي ينتهجها كل أصحاب المسئولية عندما نبدأ في رفع الشكوي من مستوي الخدمة التي يقدمونها لنا أو عندما نبدأ في مطالبتهم بالوفاء بوعودهم البراقة التي قطوعها علي أنفسهم قبل تولي المسئولية والتي كانت أحد الأسباب الأساسية لتوليهم هذه المسئولية . وعادة ماتكون الحجة التي نسمعها منهم وهم علي قناعة تامة أنها سبب كافي لرد الوعود وإخلاء طرفهم هي أن هذا هو المتاح وأنه – أي المسئول – لن يأتي بأدوات مساعدة من بيته لأداء ماهو مطلوب منه حسب إشتراطات تولي المسئولية التي قبلها يوما ما.

هذا هو المتاح ...

هذه هي كلمة السر التي يستعملها الكثير من أصحاب المسئولية لإرغامنا بالذراع علي قبول إخفاقهم أو قبول عدم تنفيذ وعودهم أو قبول عدم تحقيق مسئولياتهم.

وهل كنا لا نعلم أن هذا هو المتاح يوم وليناكم مسئوليتنا ؟

وهل لو كان متاح أكثر من ذلك ، كنا سنحتاج لمسئول مهم متميز مثل هذا المسئول ؟

وهل لو كان المتاح أكثر ، كنا سندفع لكم ماندفعه لكي تحققوا لنا طلباتنا في ظل ضيق المتاح ؟

لماذا يتحتم علينا أن نقبل هذا المبدأ الذراعي الذي يلوي عقولنا قبل أذرعتنا عندما يكون سبب الإخفاق أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان وأن كل منا يعمل وفق المتاح ، ولا يتقبل الأخرون أن يعملوا لتحقيق المطلوب منهم حتي في ظل الأمكانيات المتاحة وإن ضاقت.

إنني علي يقين من أنه عندما يقوم عميل ما بتعييني كمدير لمشروعه فإنه يتوقع مني أن أقوم بتحقيق المطلوب من أعلي جودة ممكنة في الوقت المحدد سلفا للمشروع ووفق الميزانية المحددة لهذا المشروع وأنه لن يقبل مني أن أتعذر بعد قبولي لهذه المسئولية بضيق الأمكانيات المتاحة لي وأن طاقم العمل بيروقراطي وأن سياسة الدولة لاتساعدني ..... إلي أخره.

إنني عندما قبلت المسئولية فقد أعلنت ضمنيا موافقتي علي تحقيق المطلوب حتي في ظل كل أسباب الفشل السابق ذكرها والتي هي معلومة بل ومسجلة لكل المشروعات السابقة . لذا فإنني سأكون مطالبا بالعمل علي إيجاد الحلول التي تساعد علي التغلب علي كل هذه الأسباب والبحث عن الطرق التي تمكنني من تجاوز هذه العقبات سواء بإبتكار طرق حل جديدة أو بمحاكاة ماوصل إليه الآخرون في مسيرتهم . المهم أن أؤدي ماهو مطلوب مني وليس العمل وفق المتاح لدي.
إنني هنا لاأتحدث عن فكر بقدر ماأتحدث عن ذريعة جاهزة لدعم و تثبيت ثقافة الذراع في مجتمعنا بحيث يستطيع أي أحد أن يستخدمها إذا ماضيقنا حوله الخناق وحاولنا إثناءه عن تذرعه علينا.

إذا ماتحدثت إلي الشحات وسألته لماذا لايعمل كان رده بمنتهي البساطه .. فين بس يابيه .. وهوه كان فيه شغل وماشتغلتش أي أنه بمنتهي القوة يفرض علينا نفسه كشحات لإن هذه المهنه هي المتاحه فقط

إذا تحدثت إلي المدرس وسألته لماذا يبدع عندما يعطي درس خصوصي بينما يكون العمل المدرسي مجرد حضور وإنصراف ويكون رده الجاهز .. إزاي بس والفصل فيه خمسين تلميذ .. حأشرح لمين وألا مين بس

إذا ماتحدثت إلي عضو مجلس شعب من المعارضة وسألته لماذا لايستطيع الوقوف أمام القوانين التي لايراها مناسبة أو تخدم المصلحة العامة ويكون رده بطبيعة الحال .. إزاي بس والحزب الوطني مسيطر علي المجلس .

كلها أسباب تنبع من نفس المبدأ الذراعي الذي يجب علينا قبوله ، بل إننا فعلا نقبله ويذهب البعض منا – وهم كثير – إلي الإقتناع بهذه المبررات والدفاع عنها بل وتسويقها للغير علي أنها من المسلمات البديهية التي يجب علينا أن نتقبلها ونتعايش معها تماما كثقافة الذراع التي تجبرنا علي الإستسلام لما نرفضه.

هل عندما لايجد الشحات السوي القوي وظيفة يسترزق منها ، فيصبح هذا سبب وجيه لإن يمتهن الشحاته ؟

هل عندما تمتلئ فصولنا بالتلاميذ ، يصبح هذا سبب وجيه للمدرس لكي يبيع ضميره مقابل درس خصوصي ؟

هل لإن الحزب الوطني يسيطر علي مجلس الشعب ، لايستطيع نواب المعارضة أخذ موقف مما يعتقدون ويصدقون أنه ضد مبادئهم الإنتخابية ومصلحة ناخبيهم ؟

هل المطلوب هو العمل بالمتاح أم أننا بالمتاح يجب أن نعمل المطلوب ؟

هل كان المتاح لدولة مثل اليابان من الموارد الطبيعية المحدودة جدا يمكنها من تحقيق المطلوب لتكون رائدة التقدم التكنولوجي في العالم وتصبح من القوي الإقتصادية العظمي ؟

هل عندما تولي مهاتير محمد الحكم في دولة مثل ماليزيا كانت الإمكانيات المتاحة تمكنه من تحقيق المطلوب منه لتصبح دولته مستقلة إقتصاديا وأن تأخذ مكانتها وسط النمور الأسيوية المتعملقة ؟

منذ حوالي سبع سنوات كانت أمكانيات البرازيل الإقتصادية في أسوأ مستوي متدني يتخيله أي منا للدرجة التي أرغمت الحكومة علي إعلان إفلاسها لعدم قدرتها علي سداد دينها الخارجي والداخلي علي السواء . ،لكن هذا لم يمنع القائمين عليها من عمل المطلوب منهم وتحقيق المعادلة الصعبة في ظل إنعدام الإمكانيات المتاحة – ولا أقول قلتها – لتصبح البرازيل الآن من الدول الواعدة الجاذبة للإستثمار والتي يحقق إقتصادها مؤشرات نموذجية في أقل من سبع سنوات .

صدقوني .. الأمر ليس بحجم المتاح ولكنه بالإصرار علي عمل المطلوب وإن كان صعبا.

عندما يصرح وزير الصحة عن إلغاء العلاج علي نفقة الدولة وتحويل ميزانيته للمستشفيات الحكومية ، فإنني أجد هذا التصريح من نوع العمل بالمتاح وليس عمل المطلوب.

في كل دول العالم المتقدم وبعض الدول التي تقبع معنا في نفس المستوي التقدمي مثل دول الخليج يتم تطبيق نظام تأمين صحي يضمن لمواطنيها بل والمقيمين فيها أيضا تغطية علاجية متميزة تكفل إحتياجاته الطبية سواء عند ذهابه للطبيب للكشف أو لإجراء عملية جراحية أو حتي لصرف الدواء .

ويتميز هذا النظام بمشاركة القطاع الخاص مشاركة إيجابية في تحمل مسئوليته بمعرفة الدولة وبالتنسيق معها بحيث تقوم الدولة بالإشراف علي النظام المطبق لضمان عدم التلاعب كما تقوم بوضع الآليات التي تجبر رجالات الأعمال علي الإشتراك في هذا النظام والتأمين علي العاملين لديها صحيا ضمن مفردات راتبهم وذلك حتي تستطيع ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد :

أولا : تقليل المسئولية التنفيذية علي الدولة من تقديم خدمة التأمين الصحي للقادرين – وهم رجال الأعمال الذين يستطيعون تأمين موظفيهم بجزء من أرباحهم التي تؤمنها لهم الدولة .

ثانيا : تقليل العبأ علي مستشفيات الدولة حتي تستطيع تقديم خدمة متميزة للمحتاجين من الطبقة الدنيا من الشعب .

ثالثا : توفير فرص عمل كريمة وبأسعار جيدة للأطباء في ظل تشجيع شركات التأمين الصحي الخاصة علي العمل.

رابعا : زيادة كفاءة الخدمات المقدمة وتطوير مراكز الخدمة وذلك بتقليل عدد المستفيدين من خدمة التأمين الصحي الحكومية بعد إلزام القطاع الخاص بتولي مهمته .

إنني أعتقد أن قرار وزير الصحة هو من قبيل التفاعل مع مبدأ أن هذا هو المتاح ، وهو ماأرفضه لإن الوزير الذي يتم تعيينه في موقعه يكون مسئولا عن إيجاد الحلول وليس تحويل مسار المشكلة من التغطية التأمينية إلي العلاج علي نفقة الدولة إلي ضخ الأموال في المستشفيات الحكومية . فهل تستطيع المستشفيات الحكومية بحالتها الراهنة علي تناول هذا العبأ ؟

لماذا لايقوم الوزير بوضع خطة مع وزارة الإستثمار ومكتب العمل ووزارة التضامن الإجتماعي لكي يتم وضع قانون يلزم شركات القطاع الخاص بعمل برنامج تأمين صحي لكل العاملين بها وأهليهم علي أن يتم تخفيض نسبة التأمينات الإجتماعية التي تدفعها الشركة مقابل إثبات الدخول في هذا البرنامج ؟

إن مثل هذا القانون سيشجع بالتأكيد شركات التأمين الصحي الخاصة علي تقديم خدماتها والتباري في تحسينها بالطبع لصالح المواطن المصري وهو ما سيقلل شريحة المستفيدين ببرنامج التأمين الصحي الحكومي ويجعله قاصرا فقط علي الطبقة الدنيا والموظفين الحكوميين.

ثم تأتي الخطوة الثانية بالتنسيق مع شركات التأمين الصحي الخاصة بعد أن تثبت أقدامها ويصبح لديها ثقة في تشجيع الحكومة لها من خلال وضع الآليات التي تدعم وجودها ، ،و من ثم تستطيع الحكومة أن تطلب منها وضع برامج لتغطية موظفي الحكومة كمرحلة ثانية.

ثم تأتي المرحلة الثالثة والتي ستعمل للإرتقاء بالخدمات الطبية الحكومية عندما يصبح عدد المستفيدين بها أقل فعليا.

قد يكون هذا الإقتراح هو مجرد إقتراح خيالي لايمكن تنفيذه ولكنه سيظل أيضا خطة عمل في إتجاه المطلوب حتي في ظل ضيق الإمكانيات المتاحة . سيظل إقتراح برفض تطبيق ثقافة الذراع علينا وإعلان برفضنا لإن نستسلم لما يفرضه علينا اآوخريين وإقرار أن عقولنا لازالت تعمل لخدمة هذا الوطن .

هناك تعليق واحد:

Architect يقول...

مثل عندما يكون الشخص فى البنك يريد صرف نقود ويجد ان شباك واحد لصرف ويجد ان دورة رقم 10 ويوجد طابور فيبحث عن وسطاء لانجاز ما يريدة او يطبق ثقافة الذراع .
ولكن اذا باحثنا عن التغير فلابد من الاتى:-
اولا:- فى المثل السابق اذا وفرت الحكومة 2 شباك لصرف فيجد نفسة دورة رقم 5 بدل من 10 فيتحل بالصبر .
ثانيا :- يجب ان تضع الدولة قانون يعاقب الموظف الذى يخل بالنظام اى ينفذ العمل سريعا لشخص الذى يعرفة او معة وسطاءوايضا الموظف الذى يجبر الناس على الانتظار لكى يفطر ويشرب كوب الشاى ويتكلم مع صديقة فى العمل ماذا فعل بالامس وهذا حدث معى فى النقابة .
ثالثا :- يجب عندما يرى شخص مثل ما انتا رايت فى المطار يجب ان يفعل كما انتا فاعلت وبذلك تجد الناس ان هناك شخص لا تحب ثقافة الذراع والوسطاء فيبدا الكل بتفكير ولكن السكوت يزيد من تطبيق ثقافة الذراع(السكت عن الحق شيطان اخرس ).
رابعا :- القناعة والرضا كنز لا يفنع وان الانسان الذى يحترم ثقافة الطابور فهو يحترم شخصة ونفسة قبل احترام الاخرين.
وفى نهاية كلامى .........النظام شى جميل يساعد الدول على التقدم لتطبيق ثقافة النظام واحترام الناس لبعضها البعض وان مافعلتة بالمطار صحيح مئة بمئة لان الناس ليس عندها الجرى لكى تفعل كما انتا فعلت ولكن بتدريج عندما تراى انتا وغيرك تتكلموا عن النظام والاحترام سوف تفعل ذلك ايضا ولكن لتطبيق هذة الثقافة تحتاج وقت فيجب ان نناشد الدولة بوضع قوانين تعاقب المواظفين الذين يفعلون ذلك ونناشد الناس بان ثقافة الاحترام والنظام هي ثقافة واحترام الشخص لنفسة قبل احترامة للاخرين وعلى امل ان اجد هذة الثقافة .