الأحد، أبريل 11، 2010

13 - من فوق ... لتحت


من فوق برج خليفة في دبي .. أعلي برج في العالم ، شاهدت دبي كما أرادها أميرها الشيخ محمد . وكم أنت مذهلة يادبي ..

عندما تذهب إلي دبي تأخذك روعة البناء وحداثة التصميم وتكامل النظام الذي إستطاع في وقت قليل جدا أن يجمع بين كل التفاصيل الإنشائية والمالية والإستثمارية لتخدم التفاصيل الحياتية وتشجع المستثمرين علي ضخ إستثماراتهم في هذه الإمارة التي كانت صغيرة منذ فترة ليست ببعيدة ولكنها وبقدرة قادر أصبحت عاصمة للتسوق والإستثمار العقاري والسياحة والتجارة والمؤتمرات .... عاصمة للمتعة والإستمتاع

عندما تذهب لدبي تأخذك براعة المصمم الذي إستطاع أن يضع علي الورق كل هذه الأفكار التصميمية والمخطط الذي إستطاع أن يضع الخطط التنفيذية لتنفيذ هذه الأفكار التصميمية والمنفذ الذي إستطاع في وقت قياسي أن يجعل هذا الورق حقيقة نراها ونعشقها ونحلم بها ولانملك إلا أن نقول .... سبحان الله

من فوق برج خليفة وقفت علي إرتفاع حوالي الثلاثة أرباع كيلومتر لأشاهد دبي من فوق ... فوق جدا ... جدا

إن دبي من هذا الإرتفاع أكثر جمالا بل وأكثر جاذبية عن مانشاهده ونحن نسير في شوارعها . دبي من فوق كانت تماما كما تم رسمها من قبل المصممين الذين لم يتخيلوا هم أنفسهم أن تصاميمهم التي تفننوا فيها سيتم وضعها بهذه الصورة المذهلة وبهذه القوة التنفيذية التي وضعت كل خط تم رسمه علي الورق في مكانه لتكون المدينة مجسم كبير لمخطط تم رسمه بمنتهي الدقة وتم تنفيذة بمنتهي الإتقان.

عندما كنت أسير علي هذا الإرتفاع الشاهق فوق برج خليفة أشاهد من حولي النوافير الراقصة والمباني ذات الأضواء المتلألئة والألوان الخلابة وحيث السيارات تسير في الشوارع بنظام بالرغم من الزحام والحدائق التي يزينها خطوط من الزروع والورود من كل شكل وحجم ولون ، لم يكن يشغلني كل هذا الجمال الذي أخذ عقلي لبرهة وأنا أسبح الله علي هذا الجمال وهذه الدقة في التنفيذ . ولكنني في حقيقة الأمر كنت مشغولا وبشدة في شئ واحد ظللت أبحث عنه في كل ركن من أركان البرج محاولا إيجاده أو فهم كيف يمكن إخفاؤه.

إجتهدت كثيرا وبحثت كثيرا عن الأطباق التي يتم تثبيتها فوق سطح البيوت عندنا في مصر لنتمكن من مشاهدة القنوات الفضائية. أحضرات نظارات مكبرة وحاولت إستخدام كاميرات التصوير الفوتوغرافية وكاميرات تصوير الفيديو لكي أتمكن من معرفة أماكن تثبيت هذه الأطباق اللعينة أو لحل لغز إختفائها ... ولكنني للأسف لم أستطيع

ذهبت إلي الفندق وتوجهت إلي مكتب الحجز مباشرة لأسأله : هل لديكم قنوات فضائية في هذا الفندق السبع نجوم ؟

وطبعا أجابني مسئول الإستقبال أنه لديهم مايزيد عن خمسة وأربعين قناة ثابتة خلاف القنوات المدفوعة مقدما وهو مايعني أنه لابد أن يكون لديهم عدة أطباق حتي يتمكنوا من تثبيت هذا العدد من القنوات . إذا أين هو هذا الطبق اللعين ؟

أعتقد أنكم قد بدأتم في التشكك في قواي العقلية الآن ..

عندما نكون عائدين بسلامة الله إلي أرض الوطن وقبل هبوط الطائرة في مطار القاهرة الدولي تمر الطائرة وتحلق في سماء القاهرة علي بعد يسمح لنا جميعا بمشاهدة أسطح المنازل في قاهرة المعز.

هل سبق وأن مررتم بهذه التجربة من قبل وشاهدتم هذا الكم المريع من الأطباق التي تملأ السطح بالكامل لدرجة التي قد تتسائلون فيها كيف تمكننا من تثبيت هذه الأطباق بجوار بعضها وبهذا التلاصق الغريب ؟

إن منظر الأطباق الفضائية علي أسطح المنازل في القاهرة بل علي أسطح المنازل في جميع مدن مصر الغني منها والفقير النظامي منها والعشوائي هو منظر يستحق الدراسة بحق . لقد إستطاع المواطن المصري في وقت قصير جدا من التواصل مع العالم من حولنا وتنمية قطاع التجارة وذلك في مجال الأطباق الفضائية والكابلات التليفزيونية وذلك من خلال تثبيت الملايين من هذه الأطباق الغير جذابة علي الإطلاق بعناية شديدة جدا فوق أسطح المنازل وأقصد بلفظ العناية هنا قوة التثبيت حتي لاتطير من مكانها إذا ماتعرضت لموجة من الرياح القوية كما أقصد أيضا بلفظ العناية تحديد مكان التثبيت والذي يتضح من طريقة تجميع الأطباق كلها في مكان واحد أن الإنسان المصري إستطاع الوصول إلي سر تحديد النقطة التي يكون عندها الإرسال في أعلي مدي له ، لهذا نجد كل الأطباق تتجمع عند نقطة واحدة ، متلاصقة .. متوحدة .. متحدة حتي تعطي للناظرين الإحساس بروح العائلة الطبقية وتعمل علي ترسيخ مبدأ الوحدة والإتحاد بين أبناء الشعب في سبيلهم للحصول علي حقهم المشروع من القنوات الفضائية المجانية وغير ذلك.

إن المنظر حقيقة يستحق الدراسة. فكيف أمكن لهؤلاء الأماراتيين أن يخفوا كل هذه الأطباق من علي أسطح منازلهم وأن يجعلوا من مدينتهم ساحة جمال بحيث أنك وأنت تنظر إليها من الطائرة أو من برج خليفة لاتري إلا جمالا.

إنني أجزم بأنهم قبل أن يشرعوا في بناء برجهم والذي من حقهم تماما أن يفخروا به ، قد قاموا بدراسة المنطقة المحيطة به من كل الزوايا والتي تسمي علي ماأعتقد – إمارة دبي – وقاموا بتخطيطها وتزيينها وترتيبها ونثر المنتزهات هنا وهناك ومد خطوط من الزراعات والبحيرات الصناعية والنوافير الراقصة بل إنهم قد قاموا أيضا بإعادة بنائها لضمان أن خطوط المباني عندما ننظر إليها من علِّ ، سنجدها خطوط متسقة منتظمة تدل علي أن هناك مهندس خطط لهذه المدينة لا مقاولا قد قام ببنائها علي قد فلوس أصحابها والذين حاولوا بعد ذلك أن يرسموها ليسجلوا مابها من بيانات.

لوهلة تخيلت لو أن المصريين الذين هم البناوون الأوائل في المنطقة كلها بل وأحد البنائيين الأوائل علي مستوي العالم قد قرروا أن يتحدوا الأماراتيين وأنهم قرروا بناء البرج الأعلي في العالم علي ضفاف نيل القاهرة ليضيفوا عجيبة جديدة إلي عجائب العالم والتي يملكون إحداها. تخيلت أننا إستطعنا بناء هذا البرج العملاق علي غرار الهرم الأكبر لنرتفع فوق السحاب ونتعدي الكيلومتر من البناء وأن الناس من كل مكان في العالم قد أتوا ليشاهدوا هذا البناء العملاق الذي نتحدي به المعماريين العالميين ويستطيعوا من فوق برج القاهرة الجديد أن يشهدوا علي الحضارة التي نعيش بها ووسطها.

وقفت في الطابور أمام المصعد في إنتظار دوري للصعود إلي أعلي البرج وإذ بي أجد أحد هؤلاء الأشخاص من أفراد اللهو الخفي يطلب مني أن أتبعه حتي يمررني من هذا الطابور ويضعني في المقدمة. ....

أستغفر الله العظيم .. يبدو أنني لم أنجو بعد من هذه النظرة السوداء التي خلفتها عندي ثقافة الذراع ولاأتصور أننا عندما سنقوم بهذا التحدي فإننا سنقوم بفرض المزيد من السيطرة علي العاملين ونعمل علي تغيير ثقافتهم .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

وقفت في الطابور ولم يعرض علي أحد خدماته المدفوعه لاحقا لإننا أصبحنا أكثر نظاما وأعمق ثقافة . المهم أنني تمكنت من الصعود إلي قمة البرج لأقف علي أرتفاع الكيلومتر شاهدا علي حضارتنا الجديدة التي قمنا ببنائها بأيدينا بدلا من التفاخر بحضارة أجدادنا والتي لانعلم حتي الآن سر عظمتهم لإننا إنسلخنا عنها ولكن لإن جينات العظمة والهندسة المعمارية والتفوق الحضاري لازالت تسري فينا فإننا سنستطيع يوما أن نبني نحن حضارتنا التي تثبت تفوقنا كمصريين لا كفراعنة.

وقفت فوق البرج وذهبت إلي مكبرات الصورة المثبته علي أطراف السور الخارجي لنتمكن من رؤية القاهرة .. قاهرة المعز ، مدينة الآلف مأذنة والنيل والأهرامات والقلعة وجبل المقطم ومبني ماسبيرو ووزارة الخارجية ومجمع التحرير وسيتي ستارز وطبعا مدافن الغفير ومدافن البساتين علي ضفة طريق صلاح سالم شريان المرور الرئيسي. ولاأتصور أن أجد هذه المكبرات لاتعمل أو عليها من الغبار مايعوق الرؤية أو تم تثبيتها علي إرتفاع يمنعني من إستخدامها إلا إذا وقفت فوق كرسي صغير يقوم أحد العاملين بوضعه كخدمة مدفوعة لاحقا كما هو الحال ببرج القاهرة القديم والذي أصبح مع الوقت بناية صغيرة وسط البنايات العملاقة التي ظهرت حولها.

المهم أنني تمكنت من التغلب علي كل هواجسي وتخوفي من سيطرة ثقافة الذراع علينا حتي في اليوم الذي إستطعنا فيه إثبات ذاتنا وتمكنت أخيرا من الوصول إلي طرف السور الخارجي للمبني والنظر مباشرة علي القاهرة قبل النظر من خلال مكبرات الصورة ... ولكن تخيلوا معي ماذا رأيت ؟

لقد تم الحفاظ علي القاهرة عن طريق تغليفها بسحابة من الأتربة علي إرتفاع قريب جدا من سطح الأرض وذلك للمحافظة علي خصوصية المدينة وحتي لايستطيع أي قمر إصطناعي أن يقوم بتصويرنا بسهولة ..... فكر جديد

كما تم نزع جميع المساحات الخضراء من قلب القاهرة إلا التي يفرضها علينا القانون ومتطلباتالإتحادات الدولية عند بناء ملاعب كرة كما في إستاد القاهرة وملعب المقاولون وإستاد الكلية الحربية وملاعب الأندية مع بعض الحدائق المتناثرة كتلك التي أهدتها لنا مؤسسة الأغا خان . أما حديقة الحيوان والتي تتمتع بمساحة خضراء شاسعة في قلب محافظة الجيزة وتقوم بعملها كرئة لهذه المدينة المكتظة بالسكان فهي في طريقها للإنتقال إلي محافظة السادس من أكتوبر في عملية نقل رئة من محافظة لأخري علي أن يتم وضع محافظة الجيزة علي جهاز تنفس إصطناعي.

ويبدو أن الغرض الأساسي من نزع كل المساحات الخضراء من قاهرة المعز هو الحفاظ علي طابع القاهرة الجديد لكي تصبح مثل مراكش الحمراء وتونس الخضراء فيصبح لدينا القاهرة الكافيه أوليه بلون التراب وذلك لأننا جميعا نعلم أن تراب مصر غالي علينا جدا ، لذا وجب علينا الحفاظ عليه بل وجعله علامة مميزة لنا نعفر بها وجوهنا.

أما المنظر الذي لم أستطيع نسيانه أو تناسيه فهو كم الأطباق التي تزين أسطح المنازل في لوحة تشكيلية غير إبداعية علي الإطلاق بأسطحها التي يعلوها الصدأ والكابلات التي تخرج منها في تصميم ثعباني يمتد من أسطح المنازل ليسير علي جدران المنازل في تقاطعات تثبت مدي التلاحم بين السكان وبعضهم البعض.

لقد تم إختزال معاني الجمال عندنا في تصميم مبني متميز لفندق أو برج سكني أو إداري يطل علي النيل نهتم فيه بتفاصيل الواجهة والديكورات الداخلية بينما نسينا تماما أن هذه البنايات تطل علي باقي القاهرة لتكشف من علِّ ماهو مستور منها ونحن نسير في شوارعها. إننا نقوم بمنتهي الهمة ببناء الأبراج ونبدع في تصميماتها وتشطيباتها لكي تقوم بكشف عوراتنا التي لانملك معها إلا أن نضع وجوهنا في التراب .. وهو كثير تحتنا وفوقنا والكثير منه علينا.

قبل أن نفكر في بناء برج نناطح به أباطرة الهندسة في العالم فإنه لابد لنا أن نعيد تصميم مدينتنا وإعادة تنسيقها لكي نستطيع أن ننظر إليها من فوق وبدون أن نشعر بالخزي.

لابد لنا من تأهيل هذا الشعب ليس بوضع المزيد من القوانين والنظم ولكن بتفعيل ماهو قائم منها بالفعل.

لابد لنا من التعامل مع هذه الثقافة اللعينة التي أعطت كل واحد منا الحق أن يفعل مايشاء وأن يقوم بتركيب الطبق الذي يتيح له مشاهدة مايريد بغير أن يكترث بما يجبرنا علي أن نشاهده وإن كنا لانريد.

لابد لنا من التفكير والعمل علي إيجاد الحلول لإزالة هذه التشوهات المرئية التي لن تمكننا يوما من بناء أبراج عزتنا. لإنه يتوجب علينا أولا أن نعيد تأسيس القاهرة من تحت لنستطيع أن ننظر إليها من فوق بدون أن نشعر بالخزي والكسوف.

كنت في زيارة لمدينة دمشق بسوريا وصحبني صديقي السوري هناك إلي مصيف بلودان الجبلي الشهير والذي يتمتع بجو صيفي بديع نحسد عليه أشقائنا في سوريا. كان المنظر الملفت لهذا المصيف المتميز هو أن كل المنازل هناك لها نفس الطابع المعماري بحيث أن كل البيوت تنتهي بسقف مائل مثبت عليه طبقة من القرميد باللون البصلي المميز.

سألت صديقي السوري عن كيفية إلزام سكان المنطقة بهذا الطابع المعماري المميز والذي يجعل المنظر من فوق حقا بديعا . .

لقد أعطت الحكومة السورية الحق لكل مواطن بأن يرتفع بدور أخير من البناء الخفيف علي أن يلتزم بوضع هذا السقف الذي يعطي طابع مميز للمدينة ، وهم بهذا قد وفروا له طابق إضافي يزيد من دخله أو من مساحة إستخدامه للمبني ولكن بطريقة أخري غير مباشرة تحقق لهم مايريدونه من أن يرسموا المدينة من تحت حتي تصبح جنة للناظرين لها من فوق.

إن الحلول كثيرة .. إذا ماأردنا التغيير

ولكن المشكلة الحقيقية هي أننا قد إستسلمنا لحالنا وقبلنا أن نقبع في جهة المُستحَليين حرام .... حرام

ليست هناك تعليقات: