السبت، أبريل 10، 2010

4 - لسه بدري ..... قوي

عندما نتواعد علي اللقاء يكون الفيصل في الميعاد هو الوقت الذي سنتقابل فيه والذي يتم تحديده بناء علي المسافة التي سنقطعها للوصول إلي مكان اللقاء وجدول مواعيد كل منا والذي يحكمه أيضا الوقت . وبمجرد تحديد ميعاد اللقاء فإن هذا يعني ضمنيا موافقتنا علي الإلتزام بالوقت المحدد بغض النظر عن ظروفنا الشخصية أو إلتزاماتنا الأخري.

إذا فإن الوقت هو المعيار الأساسي لبيان مدي إلتزامنا ومدي مصداقيتنا في التعامل بل إنني أذهب إلي مدي أبعد لأري أن الوقت هو المعيار الحقيقي لبيان مقدار إحترامنا لإنفسنا وللغير.

لهذا نجد أن دول العالم المتحضر أو كما سميناهم سابقا – في أوروبا والدول المتقدمة – يبدون أشد الأحترام للوقت ونجد الواحد منهم يحرص جديا علي أن يأتي قبل ميعاده بخمس دقائق ليثبت للطرف الآخر مدي إلتزامه وإحترامه له وحرصه علي هذا الميعاد وما سيجنيه من وراءه حتي ولو كان الميعاد لقضاء بعض الوقت في المقهي . إن الإنسان الملتزم يظل ملتزما بغض النظر عن طبيعة الميعاد الذي سيذهب إليه أو أهمية الشخص الذي سيلاقيه.
أتذكر في وقت ما من حياتي كنت أعمل مع شركة تويوتا حيث كنت أتعامل من فترة لأخري مع بعض اليابانين الذين نعلم عنهم شدة إحترامهم للعمل وللمواعيد وللأخريين . كانت دعوة الإجتماع التي تصلني منهم محددة بالشكل الذي يتنافي معه الجهل أو سوء الإدارة أو عدم الإلتزام إلا في الحالات التي تندرج تحت مسمي الظروف القاهرة.

كانت الدعوة تأتيني للإجتماع في يوم السبت الموافق كذا من الشهر الفلاني في تلكم العام متضمنة أجندة تفصيلية لكافة الموضوعات التي سيتم مناقشتها بالإجتماع ومن هم الحضور ومسئولية القرارات التي ستتخذ في الإجتماع الذي سيبدأ في الساعة الثامنة وثلاث دقائق ويستمر لمدة ثلاث وأربعين دقيقة لنتحرك في الساعة الثامنة وست وأربعين دقيقة لزيارة موقع العمل والوصول في الساعة التاسعة وخمسة وثلاثين دقيقة .... وهكذا دواليك.

طبعا سأجد الكثير منكم وهو يقول : موش للدرجة دي يعني، خليها تمانية وبلاش الحنبلية دي .. تمانية وتلات دقايق..!!

ولكن العبرة هنا ليست بالحنبلية ولكن بالمنهجية ، فقد حسبها صديقنا الياباني حيث أنه من المفترض أننا نأتي جميعا للمكتب في تمام الثامنة ونحتاج فقط لثلاث دقائق للوصول إلي غرفة الإجتماعات . إذا فهي الثامنة وثلاث دقائق.

هكذا يحسبونها في أوروبا والدول المتقدمة .. بالمنهجية، وهكذا نراها نحن في مصرنا والدول المتبرطمة ... حنبلية .

في أثناء عملي مع إحدي أكبر الشركات العاملة في السوق المصري والتي تحتل مركز الصدارة في مجالها، إستيقظت صباح يوم علي مكالمة تليفونية صباحية مبكرة من مديرة مكتب رئيس مجلس الإدارة تخبرني أنه قد تقرر عقد إجتماع اليوم لدراسة المشروعات التي تحت إدارتي وأنني يجب أن أحضر الساعة العاشرة للمشاركة في الإجتماع. وعندما سألتها عن الموضوعات التي سنناقشها في الإجتماع كان ردها بليغا وقاطعا وحكيما لأقصي مدي :

هات معاك كل ملفاتك وخليك جاهز.

هكذا إذا الأمر ، أن نكون جاهزين لكافة الإحتمالات ومدججين بالملفات والمستندات اللازمة لبحث أي موضوع يطلب منا خلال الإجتماع في أي وقت ومن أي شخص وبأي شكل.

وحضرت قبل ميعاد الإجتماع بحوالي عشر دقائق حسبما تعودت وتربيت علي يد هؤلاء القادمين إلينا من أوروبا والدول المتقدمة ، ولكنني فوجئت بتأخير ميعاد إنضمامي للإجتماع لمدة نصف ساعة والتي وصلت إلي خمسين دقيقة. المهم أنني إنضممت للإجتماع وأنا لاأعلم ماهو مطلوب مني وماهي المواضيع التي سنناقشها وماهي طبيعة القرارات التي سيتم إتخاذها في هذا الإجتماع الهام الذي تم تحديده صبيحة يوم الإجتماع.
بدأ الإجتماع بكلمة إفتتاحية من السيد رئيس مجلس الإدارة تناول فيها توجهات الشركة وأهمية المشروعات القائمة والمستقبلية في تحديد مكانة الشركة في السوق وتأثيرها علي الخطة الإستثمارية للشركة . ثم قام السيد العضو المنتدب للشركة بإلقاء كلمة تفصيلية عن طبيعة المشروعات القائمة بالشركة وأهميتها وخططها وأولوياتها - وكأن الحاضرين هنا لايعلمون كل هذه المعلومات- ولكن واضح أنهم كانوا ينتهجون مبدأ أن في الإعادة إفادة.

المهم أنه بعد الكلمة الأولي والثانية دخل علينا وقت صلاة الظهر فقمنا للصلاة وعندما عدنا تم تقديم بعض الساندويتشات للحاضرين مع القهوة والشاي حتي يستطيعون مواصلة إجتماعهم التنفيذي الهام . ثم بدأ الإجتماع بطرح المشروعات التي سيتم تناولها في الإجتماع وتحديد نقاط العرض لكل مشروع وبدأ كل من الحضور بتناول النقطة التي تخصه حتي دخل علينا وقت صلاة العصر حيث قمنا للصلاة وعندما عدنا كان هناك بعض المأكوات للغداء ليبدأ الإجتماع بعد ذلك حوالي الساعة الرابعة والنصف وأنا لازلت أنتظر لأعرف ماذا يريدون مني بالضبط ..... !!

في حوالي الساعة الخامسة والنصف تم سؤالي عن موقف المشروعات القائمة ، وعليه قمت بعرض توضيحي للمشروعات من حيث الجدول الزمني والميزانية التقديرية والموقف التنفيذي وهو مالم يأخذ نصف ساعة متضمنة توصيل الكمبيوتر بشاشة العرض والمداخلات من الحضور.

تصوروا أنني قضيت اليوم كله ويزيد في إجتماع لم أشارك فيه بأكثر من نصف ساعة ولكنني لاأنكر أنني قد إستمتعت بالإفطار والغداء والمشروبات اللذيذة التي لاتتوفر إلا في مكتب رئيس مجلس الإدارة.

هل هكذا ندير إجتماعتنا ؟

هل هكذا ندير أوقاتنا ؟

لقد أُجبِرت علي هذا الإجتماع ولم تتاح لي حتي الفرصة للقبول أو الرفض ، بل إنني أستطيع القول بإنهم قد إستحلوا وقتي عندما أرغموني علي الدخول في منظومتهم والإنخراط في جدولهم الذي لا يعنيني علي الإطلاق.

وإذا كان هذا هو الحال مع القيادات التي تسير بها الشركات ، فماهو الحال مع الموظفين الصغار الذين يعملون بهذه الشركات وكيف سنتمكن من أن نطلب منهم الإلتزام بالمواعيد والمهام الوظيفية وبأن يكونوا مؤثرين وفعالين.

وطبعا سيقول الكثير منكم أنه من الظلم تعميم هذا الموقف لإننا لسنا كلنا هذا الرجل ، وهو ماأتفق معكم عليه وإن كنت أري أن مثل هذا الموقف في شركة من كبريات الشركات والتي يقودها أكبر رجالات الصناعة والإستثمار في البلد هو خير دليل علي كيفية إدارة الأعمال في مصر الآن .... مع قبولي عدم التعميم.
لهذا سأذهب إلي مستوي وظيفي أقل وسأقصد هنا التعميم حيث يظل الموظف المصري بثقافته الذراعية المتمكنه منا جميعا هو خير دليل علي أن الوقت قد قتل في مصر وليس له دية.

إن الموظف المصري يتمتع بصفة لازمته خلال العقود الثلاثة الماضية ولازالت مع الأسف ملتصقه به بالرغم من الجهود المضنية التي يبذلها كل منا لإبعاد هذه الشبهة عنه ولكنه وياللعجب كلما أراد أن يثبت للأخريين أنه ليس من منتهجي الفهلوة فإنه يقوم بتنفيذ كل آليات وأساليب الفهلوة ليثبت للأخريين أنه ليس فهلوي ، تماما كالطبيب الذي يقسم لك أنه لايمتهن مهنة الطب وهو يرتدي البالطو الأبيض ويعلق علي رقبته السماعة ويشعر بأشد حالات الغضب لإنك لاتصدق قسمه.
إن الفهلوة المصرية هي الشعار الذي يرفعه العامل المصري بمنتهي العفوية وبدون بذل مجهود في وجه أصحاب العمل والذي يمكنه من مواجهة متطلبات أصحاب العمل الظالمة عندما يطلبون منه الإلتزام بمواعيد للعمل أو بمهام وظيفية محددة أو عندما يشعر أنه يريد أن يثبت تفوقه علي زميل له فيقوم بعرض خدمات غير مطلوبه منه بل ولاتدخل في نطاق عمله بل والأدهي أنه قد لايكون قد أداها من قبل ولكنه سيستطيع عملها – إن شاء الله - لإن هنا أبيض وبتاع ربنا "والإشارة هنا تدل علي موضع قلبه بالطبع".

كنتيجة مباشرة لعملي مع هولاء القادمين إلينا من أوروبا والدول المتقدمة ، فقد تعودت علي إجراء صيانة دورية لسيارتي حسب كتيب الصيانة التي تقوم الشركة بطباعته وتوزيعه مجانا مع السيارة كدليل للمستخدم والذي يحدد متطلبات الصيانة للسيارة عند عدد معين من الكيلومترات وذلك لضمان أفضل إستخدام ومعدلات تشغيل لها مع أقل نسبة ممكنة من المشاكل اليومية التي يتم السيطرة عليها عند تنفيذ برامج الصيانة المعدة من قبل المُصّنِع والذي هو الأقدر علي فهم وتحديد إحتياجات السيارة التي قام بتصنيعها.

وفي يوم كنت قد أرسلت السائق إلي مركز الخدمة لعمل الصيانة الدورية للسيارة وعند عودته إذ به يفاجأني بعرض فهلوي لم أطلبه منه ولكنه تبرع به كنوع من إثبات ولاؤه لي وخوفه علي مالياتي ، وذلك عندما أخبرني أن المهندس الذي يعمل بمركز الخدمة طلع معرفه وأنه قد أخبره أن ما أدفعه مقابل هذه الصيانه كثير جدا وأنه يمكنه أن يقوم بكل إجراءات هذه الصيانه في ورشته الخاصه مقابل أقل من نصف الأتعاب وأنه قد قام بتبديل تيل الفرامل عنده في ورشته والتي كانت ستتكلف حوالي تسعمائة جنيه في مركز الخدمة ولكنه قام بتغييرها لنا مقابل فقط أربعمائة جنيه مصري لاغير كنوع من أنواع إثبات الخدمة والسعر المتميز لها – وجر القدم بالتبعية.

وأخبرت سائقي أنني لست في موضع توفير عندما يتعلق الأمر بسلامتي وسلامة أولادي وأن ماسأقوم بتوفيره الآن مع هذا الفهلوي سأدفعه أضعافا في المستقبل القريب لإنني لا أضمن هذا العمل وقطع الغيار المستخدمة وطريقة العمل ، ولكن بالطبع لاقيت أشد محاولات الإقناع والمستنده كلها إلي المعرفة الشخصية وكلام الرجالة وأغلظ الأيمانات .

المهم أنني رفضت المبدأ وإن كان التيل قد تم تغييره في إنتظار ما سيحدثنا به المستقبل القريب عن ثمن هذا التيل والذي كان كثيرا ... كثيرا جدا.

في الصيانة التالية للسيارة كانت المفاجأة أن التيل الذي تم تركيبه ليس من النوع الأصلي وأنه قد أخرج السيارة من الضمان وأنه في حالة بالية يستلزم معه تغييره بل وتغيير الطنابير لإنها قد تلفت من جراء إستخدام هذه القطعة الغير أصلية والتي ستتكلف حوالي ثلاثة ألاف جنيه مصري دفعتها صاغرا من أجل أن يوفر لي الموظف خمسمائة جنيه.

بالفهلوة وفروا لي خمسمائة جنيه وبالفهلوة أيضا أجبروني أن أدفع ثلاثة ألاف جنيه أخري . ولا حول ولاقوة إلا بالله.

نعم .. أخطأت عندما قبلت الفكرة من الأساس ولكنني لم أطلب منه أن يفكر فيما يظن هو أنه مصلحة لي ، بل ولم أطلب منه أن يقوم بالتغيير ويجبرني عليه وهو يظن أنه يعمل في معروفا.

ولازلت أوقن أنكم ستقولون أننا لايمكننا أيضا التعميم ، ولازلت عند موافقتي لكم بعدم التعميم مع إعتقادي اليقيني أن الفهلوة المصرية موجودة فينا جميعا كنوع من أنواع الجينات الوراثية المتأصلة التي أصبحت تميز تصرفاتنا اليومية الإجتهادية والتي نرجعها جميعا إلي حسن نيتنا عند قيامنا بها وأن قلبنا علي الشغل وأننا نشعر بأننا أصحاب العمل لا موظفين فيه وهو مايعني قمة الولاء والإخلاص لصاحب العمل الذي يقتله كل يوم مائة دب من خوفهم عليه من الذباب.

عندما بدأت العمل في مصر منذ حوالي ثلاث سنوات قررت أن تكون مواعيد العمل بالشركة منذ الساعة التاسعة صباحا وحتي الخامسة مساءا وذلك تمشيا مع المواعيد المعمول بها في مصر وإن كنت أبدأ أنا العمل منذ الساعة الثامنة صباحا حسبما تعودت ولكن تظل هذه مشكلتي أنا الشخصية التي لاأستطيع فرضها علي الموظفين.

المهم أنني كنت أعاني أشد العناء مع الموظفين من أجل الإلتزام بميعاد العمل والذي يبدأ في التاسعة صباحا – وهو ميعاد متأخر جدا – ولكن كان للموظفين رأي أخر أن المواصلات وزحام الطرق لن يمكنهم من القدوم مبكرا وأنني يجب علي قبول واقع الأمر في مصر وهو بطبيعة الأمر نوع من أنواع سياسة الذراع التي قام الموظفين بتطبيقها علي ولم أستطيع تغييرها كنوع من إظهار التفهم لظروفهم المواصلاتية والتي كنت أمل أن يتم تقديرها في المقابل.

المهم أنه وبعد فترة قصيرة جدا بدأ التأخر في الحضور حتي التاسعة والربع يشكل ظاهرة عامة في الشركة ، الأمر الذي جعلني أتوقف لمراجعة الموظفين ومحاولة إثنائهم عن هذا التأخير ولكن المفاجأة كانت أقوي من حجتي ....

إن قانون مكتب لعمل المصري يعطي الموظفين الحق في التأخر لمدة ربع ساعة بدون خصومات ويلزم صاحب العمل علي قبول هذا المبدأ من باب الترفق بالقوارير – الموظفين .

وعندما بدأت في التحدث إلي الموظفين عن هذا التأخير وجدتهم جميعا علي علم بحقوقهم التي يكفلها لهم مكتب العمل ويصدرها في مطبوعاته المسماه لائحة العمل والتي يتم تعليقها في لوحة الجزاءات حتي يكون رب العمل والموظفين علي علم تام بحقوقهم التي يحاول رب العمل أخذها منهم قسرا.

ولهذا قمت بقراءة هذه اللائحة ودراستها حتي أستطيع التعرف علي حقوق الموظفين لدي وحقوقي كصاحب عمل أيضا وذلك من أجل توفير بيئة عمل صحية تساعد الموظفين علي العمل والإبداع كما تساعدني علي جني أكبر قدر من الإستفادة الشرعية من هؤلاء الموظفين. وهو ماساعدني علي إكتشاف سر هذه الخمسة عشر دقيقة التي يوفرها مكتب العمل كنوع من أنواع الإستثناء تُمكن الموظف من التأخر في حالات الطوارئ – فقط في حالات الطوارئ - بدون تطبيق أي غرامات أما في حالة الزيادة عن هذه الفترة الإستثنائية فيتم تطبيق الغرامات والجزاءات التي يحددها قانون العمل.

وقمت بعرض الأمر علي الموظفين والذين لم يوافقوني علي هذا المدخل حيث أصر المتذرعين منهم علي أن الطرق والزحام والمرور هو أمرقهري لايد لهم فيه وأنهم لهم الحق في هذا التأخير.

وفكرت مرة أخري وبحثت في قوانين مكتب العمل كنوع من أنواع التعامل الآدمي مع ظروف الموظف المصري المقهور بزحام الطرق وسوء المواصلات حتي وجدت حلا أخر يغنيني عن السؤال. فطالما أن مكتب العمل يعطيني الحق في عدد ساعات عمل محددة أسبوعيا من أربعين إلي ثمانية وأربعين ساعة ، لذا فقد قررت أن يكون ميعاد بدء العمل هو في الساعة الثامنة والنصف بدلا من التاسعة وهو مايعني أن عدد ساعات العمل سيصبح إثنان وأربعين ساعة ونصف بدلا من أربعين ساعة وهو مايتماشي مع قوانين مكتب العمل.

وحتي أثبت تفهمي لظروف الموظفين المعيشية والمواصلاتية فقد قررت أيضا أن يكون السماح هو لمدة نصف ساعة بدلا من الربع ساعة التي يوفرها لهم مكتب العمل بحيث يستطيع الموظف أن يأتي حتي الساعة التاسعة بدون توقيع أي جزاءات عليه علي أن يتم خصم نصف يوم بدأ من الدقيقة الأولي بعد التاسعة.

طب والله أنا إبن حلال وأحن عليهم من مكتب العمل اللي إداهم ربع ساعة وأنا رفعتها لهم لنص ساعة أهوه.

وبدأنا في تطبيق ثقافة الذراع لأول شهر حيث أصر الموظفين في مجملهم علي التأخر لما بعد التاسعة كنوع من أنواع إثبات حقهم وأن تأخرهم السابق لم يكن بسببهم ولكن بسبب ظروفهم التي أسهبوا في شرحها وإثباتها ، ولكنني كنت قد عزمت علي أن أقابل الذراع بالذراع وأن القانون الذي قمت بسنه هو ماسنقوم جميعا بتطبيقه. وبعد إنقضاء الشهر الأول كان إجمالي الخصومات الموقعة علي الموظفين يزيد عن عشرة بالمائة من إجمالي الرواتب الشهرية ، ولكن هذا لم يثنيني عن تغيير القاعدة التي تتوافق مع قوانين الدولة ورؤية صاحب العمل ومصلحة العمل علي السواء.

في الشهر الثاني كانت المفاجأة بأن بدأ الموظفين في الإنتظام والحضور قبل التاسعة بدقائق ولكن في النهاية كان الحضور قبل الساعة التاسعة وهو مايعني أنه يمكنهم الحضور في الميعاد المحدد ولكن لعلمهم بقاعدة الهدف الذهبي – قاعدة الربع ساعة سماح – كانوا يستغلونها كحق أصيل لا كإستثناء عند الحاجة.

أما الآن فقد أصبح الجميع ملتزما بالحضور في الميعاد المحدد بل وقبل الميعاد أيضا ، ولكن فهلوة الموظف المصري لاتنتهي لإنهم قد بدأوا الآن في الحديث عن التأخر بعد ساعات العمل وهو أمر قد يحدث مرة كل شهرين أي بمعدل ستة مرات في السنة علي األكثر في حالة إحتياج العمل وهو مالايجب أن يحدث في شركة تعمل في الإدارة وتعطي نموذجا للإنضباط الإداري لعملائها ولكن بطبيعة الأمر قد نحتاجه كنوع من أنواع الإستثناءات لا كطبيعة عمل.

ولإن موظفينا يلتزمون في الصباح ، فقد بدإوا الآن في البحث عن عدم الإلتزام في المساء وهو الأمر الذي لم يكن محل نقاش في الأعوام الماضية ولكن عندما بدأنا في التعامل مع ثقافة الذراع بالذراع بدأوا هم أيضا في البحث عن أذرع جديدة تمكنهم من فرض مطالبهم . لقد سئمت هذه الثقافة .

هل فقدنا إحساسنا بأهمية الوقت ، الأمر الذي يجعله مجالا للتشابك والمفاوضة ؟

هل أصبحنا من الهمة والتقدم والإبداع الفكري والتنفيذي للدرجة التي تعطينا الحق لكي نحاول أن نريح أنفسنا وأن نعمل علي توفير نصف ساعة من إجمالي ساعات عملنا ؟

أنا أعتقد أننا في حاجة ماسة لإن نعمل حوالي خمسين ساعة يوميا في مختلف القطاعات وفي مختلف الأنشطة والإتجاهات ، ليس فقط أن نتواجد في أماكن عملنا ، بل أن نعمل ونجتهد ونبذل أقصي جهودنا حتي نستطيع أن نلحق بمن سبقونا في أوروبا والدول المتقدمة في خلال العشرين سنة القادمة .

إن الإلتزام بالوقت هو دلالة علي زيادة الحس بالمسئولية ، هو دلالة علي إحترامنا لمصدر رزقنا ، بل هو دلالة علي إحترامنا لذاتنا وإشارة لصاحب العمل علي أننا أهل لثقته فينا وفي قدرتنا علي تحمل مسئوليتنا.

إلي كل مثقفي مصر ومحبي هذا الوطن الغالي :

وقتنا هو ثروة حبانا بها الله ، فلاتفرطوا فيها .

إجعلوه مقياس تقدم لا أداة قياس .

إجعلوه عنوان رقي لا دليل حضور وإنصراف .

قاوموا الفهلوة بالإلتزام ، قاوموا التسيب بالإنضباط ، قاوموا فكر الذراع بقوة العقل.

إذا كنا لانملك المقومات الإقتصادية التي تكفل تقدمنا ولا المقومات التكنولوجية التي تساعدنا علي المنافسة ولا المقومات النظامية التي تضمن تحقق تفوقنا ، فإننا وبكل تأكيد لازلنا نملك من الوقت الكثير الذي سيمكننا - إن أحسنا إستغلاله – من تحقيق كل هذا إن أردنا.

قد يكون هذا الشعب مريضا بداء عضال يستشري في جسده ويتمكن منه ، ولكنه أبدا لن يموت .

أبدا لن يموت شعب فيه خير أجناد الأرض .

أبدا لن يموت شعب يقطن هذه الأرض التي من دخلها كان أمنا.

أبدا لن نموت إن نحن أظهرنا بعض الإحترام لوقتنا وعملنا وتعاملاتنا .

ولامانع أبدا أن نقوم في نفس الوقت بتجهيز بعض معامل الهندسة الوراثية للبحث عن جينات الفهلوة المتأصلة فينا وعملنا علي إستئصالها لنعيد تكوين الإنسان المصري الأصيل – بدون فهلوة.


ليست هناك تعليقات: