الأحد، أبريل 11، 2010

8 - بلاش نصلي بقي ...

من أغرب الأشياء التي قد تواجهني في حياتي وأعتقد أنها تواجهه الكثير منا أيضا عندما يتلفظ أحد في وجهي بألفاظ جارحة وبدلا من أن يعتذر أجده يهاجمني لإنني متعال أو لاأتمتع بحس الدعابه. بل أن الأمر الذي يعد أكثر إيلاما هو عندما أحاول أن أوقف هذا الشخص عند حده فيتجرأ علي ويتهمني أنني طالع فيها وإن ربنا أمرنا بالتواضع.

إن المثل الذي ضربته الآن قد يكون غير واقعي عند الكثير من الناس الذين لم يصادفهم هذا الموقف وإن كانت دلالة المثل نفسه قائمة وأستطيع التأكيد علي أن هناك البعض الكثير منا يستطيعون قلب الأمر ليصبح صاحب الحق هو المُلام بل قد يصل الأمر إلي أن يُتهم صاحب الحق في عقله أو أخلاقه أو دينه لا لشئ إلا لأنه تجرأ وطلب حقه.

أكاد أسمع أصوات البعض وهم يتهمونني بأنني مزودها حبتين وأن البلد ليست بهذا السواد الذي قد أراه أو أكون قد مررت به من تجارب أو سمعته من أحد. ولكنني لن أجادل في درجة السواد أو الرماديات التي قد يراها كل منا أو التي يريد كل منا أن يراها وسأحتكم لخبرتكم الشخصية فيما سأقصه عليكم الآن وأنا أسأل كل واحد منا سؤال واحد فقط .. كم مره رأيت أو سمعت عن الموقف الذي سأحكيه لكم الآن في خلال العام الماضي فقط؟

في شهر رمضان المبارك يتزايد عندنا الحس الديني واللهفة إلي لقاء العزيز الجليل كل يوم متطهرين صائمين قائمين قارئين للكتاب العظيم كل حسب مقدرته وإستعداده وكلنا أمل أن يتقبل الله دعائنا وصيامنا وصلاتنا ليمسح بهم ذنوبنا الكثيرة التي أثقلتنا خلال العام المنصرم والتي لن نستطيع أن نتلافها خلال العام المقبل.

لهذا نجد أخلاقيات الناس في الشهر العظيم مغلفة بمسحة من الهدوء في التعامل حيث نبدأ كلامنا عادة عند الخلاف مع أحد بقولنا - اللهم ماأني صائم - كنوع من التحذير للنفس حتي لانتجاوز حدود الأدب في ردودنا علي الآخريين فنفقد صيامنا الذي تعبنا فيه ، كما تنطوي هذه المقولة الشهيرة – اللهم ماأني صائم – علي تحذير أخر للشخص الذي نتعامل معه حتي يعلم أنني صائم وممتنع عن التدخين ولم أشرب فنجان القهوة أو كوب الشاي أو النسكافيه وأنني عصبي و مزاجي ليس علي مايرام ، لهذا خذ حذرك حتي لا تأخذني العزة بالإثم وأفطر عليك.

كل هذا يندرج تحت المقولة الشهيرة للصائمين – اللهم ما إني صائم – وأكثر من ذلك قد يحدث إذا ماقام أحدنا بإلقاء اللوم علي شخص ما لإنه تسبب في تعطيله أو تأخيره عن عمله أو التسبب في إفساد عمل أو مهمة ما . ولا يهم في هذا المقام من منهم عنده الحق ولكن المهم هو أن يتماسك كل طرف ولايتهور في توجيه الإتهام للطرف الأخر حتي لايصبح هو البادئ وكلنا يعرف أنه علي البادئ تدور الدوائر.

أكرمني الله بأن وفر لي مسجد تحت العمارة التي أسكن فيها وهي نعمة لايعلمها إلا الذين تتوفر لهم هذه النعمة حيث نستمع للأذان في وقته ونتمكن من الصلاة في وقتها وفي جماعة أيضا لمن أراد. ولكن النعمة الكبري تكمن في صلاة القيام في شهر رمضان والتي نصليها في جماعة – بحكم العادة والسنة العُمرية – حيث يمكنني أن أجلس مع ضيوفي لأطول وقت ممكن بعد الفطار ثم النزول إلي المسجد للصلاة في وقتها بدون إضافة الوقت اللازم للتحرك بالسيارة للوصول إلي المسجد أو لركن السيارة في الشوارع التي لم تعد قادرة علي إستيعاب سيارات أصحاب المنازل المقيمين فمابالكم بالزائرين الذين لايجدون أماكن لركن سياراتهم ويضطرون – غير أسفين – إلي صف سياراتهم صف ثاني حتي يتمكنوا من اللحاق بالصلاة.

وهنا فقط تنقلب النعمة إلي نقمة وينقلب الإنسان المسلم إلي .. غير ذلك.

في يوم من أيام الشهر العظيم فاجأني أحد العملاء بميعاد هام جدا مباشرة بعد صلاة العشاء وذلك نظرا لظروف سفره وقد قام وهو يحدد هذا الميعاد بتقديم الإعتذارات والتأسفات لهذا الميعاد المباغت والذي سيترتب عليه أن نفقد صلاة القيام في جماعة ،لكن بالطبع يمكننا أدائها بعد ذلك وربنا غفور رحيم.

المهم أنني قبلت بالميعاد وعرضت عليه أن أوصله للمطار ولكنه أكد لي أن هناك من سيقوم بهذه المهمة. وعليه فقد رتبت أموري علي أن أصلي العشاء في جماعة بالمسجد ثم أخرج لملاقاة عميلي حسب الميعاد الذي تم الإتفاق عليه وأنا أتصور واهما أن الطرق وقت صلاة العشاء عادة ماتكون غير مزدحمة لإنشغال معظم الناس بصلاة القيام وهو ماسيمكنني من اللحاق بميعاد عميلي ولكن أنت تريد وأنا أريد والله يفعل مايريد.

أنهينا صلاة العشاء وقمت بالخروج علي عجالة لأتمكن من أخذ سيارتي واللحاق بميعادي ولكن ... ... وأه من لكن.

بجوار سيارتي تقف سيارة في صف ثاني وقد قام صاحب السيارة بشد فرامل اليد حتي لاتسير سيارته في غيابه أو كنوع من التأكيد علي المكان الذي أخذه بالذراع بدون أي إعتبار لمن يقف في المكان الصحيح ولم يخطئ في حق أحد . حاولت تحريك السيارة ولكن لافائدة ، فقد تم تثبيت السيارة في مكانها بطريقة يعجز معها هرقل عن تحريكها.

حاولت طلب المساعدة من أي أحد لأتمكن من اللحاق بميعادي الهام ولكن الجميع مشغوليين بالصلاة، لذا كان علي أن أساعد نفسي. فقمت بالدخول مرة أخري للمسجد – قبل إقامة الصلاة بالطبع – وتوجهت إلي الإمام وطلبت منه أن يطلب في الميكروفون من صاحب السيارة أن يخرج لتحريك سيارته لإستطيع اللحاق بميعادي. وطبعا لم أسلم من درس في الإلتزام بصلاة الجماعة والذي حاولت معه توضيح إلتزامي – وأنا غير مطالب بذلك لعبد من العباد وإن كنت مطالب به أمام رب العباد – وطلبت من الإمام مساعدتي في مطلبي حتي أستطيع اللحاق بميعادي. المهم أن الإمام قد قام بالنداء علي صاحب السيارة رقم ....... ليحرك سيارته لأنه يمنع أحد المصلين من الخروج بسيارته. ولما لم يتحرك أحد من المصلين فقد أعدت طلبي مشفوعا بماركة ولون السيارة وقام الإمام بتكرار النداء مشفوعا بلهجة ترجي – حتي يتخلص من إلحاحي علي ما أعتقد

وأخيرا قام المارد من مرقده وتحرك ببطء نحو سيارته وأنا ألمح في عينيه نظرات الغضب من هذا الشخص العجيب الذي يصر علي إخراجه من المسجد وقت الصلاة ويضطره إلي إرتداء حذاؤه ثم خلعه مرة أخري عند عودته والتحرك بسيارته والتي تعب جدا في إيجاد مكان لصفها في صف ثاني نظرا للزحام الشديد أمام المسجد وهو ما لا يحدث عادة في أوقات صلاة الفرائض ولكنه يحدث وبشدة غريبة في صلاة نافلة من النوافل وها هو العجب العجاب .

فاجأني الشخص المصلي بالحديث المقتضب والذي لم أكن مستعدا له نظرا لظروف عملي والميعاد الذي أنا في طريقي للتأخر عليه. وقف الشخص المصلي أمام سيارته وبدأ في التحدث لي بلهجة غضب:

الشخص المصلي : يعني بلاش نصلي

أنا : ياسيدي ربنا يتقبل إن شاء الله

الشخص المصلي : يعني خلاص موش قادر تستني لما الصلاة تخلص

أنا : أسف جدا بس عندي ميعاد مهم

الشخص المصلي : ياأخي ده هما كلهم كام يوم في السنة علشان حتي ربنا يباركلك في مواعيدك المهمة دي

أنا : ياعم أسف بس بقولك عندي ميعاد مهم . إتفضل إتحرك خليني أمشي

الشخص المهم : لا حول ولا قوة إلا بالله ، الناس خلاص الدنيا نسيتها دينها

أنا : لا حول ولا قوة إلا بالله ... إتحرك من فضلك

الشخص المصلي : خلاص ياعم .. أصل المواعيد حاتقطع بعضها

أنا : حسبي الله ونعم الوكيل

الشخص المصلي : ما أنت بتعرف ربنا أهوه .. أقعد معانا ياأخي وإكسب ثواب الجماعة

أنا (وقد تخليت عن ميعادي) : إنت عارف إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي

الشخص المصلي : ليه هوه إنت شايفني قاعد في خمارة

أنا : لأ يامولانا .. بس صلاتك تنهاك إنك تعمل فحشاء أو منكر بس كمان تنهاك إنك تبغي علي حقوق الناس حواليك

الشخص المصلي : نعم .... !!

أنا : يعني علشان صلاتك تتقبل لازم تتأكد إنك موش بتاخد حق موش حقك أو بتبغي علي حقي في أضعف الإيمان

الشخص المصلي : ياسلام ، ده إنت طلعت شيخ كمان

أنا : ياعم لاشيخ ولاحاجة ، بس لما تكون راكن عربيتك صف تاني وفي الممنوع وحاجز عربيتي وراك ، هوه ده البغي بعينه

الشخص المصلي : يعني عايزني أقعد أدور علي ركنه وماصليش والا أيه؟

أنا : يا عم صلي وربنا حيتقبل منك أكتر لو ماظلمتش حد .. وأبوس أيدك أتحرك بقي

الشخص المصلي : لا حول ولا قوة إلا بالله .. إتفضل خلينا نلحق الصلاة

هل فعلا أذنبت لإنني تجرأت علي المطالبة بحقي ؟

هل فعلا أذنبت لإنني جعلت علاقتي بربي علاقة شخصية لاتعني أحد سواي؟

هل فعلا أذنبت لإنني طمعت في رحمة ربي إذا لم أستطيع صلاة القيام في جماعة حتي إن أقمت صلاة الفرض في جماعة؟

هل فعلا أذنبت لإنني لم أقبل أن أُستحَل حتي ولو بأسم الدين؟

تري أين تكمن المشكلة ؟

إن مبدأ الإستحلال الذي يتبعه الكثير منا ويعملون جاهدين علي إيجاد مبررات واهية له من الدين تارة ومن الضروريات التي تبيح المحظورات تارة بل ومن المبدأ الميكافيللي السياسي الشهير بأن الغاية تبرر الوسيلة هو مكمن الخطورة بل أستطيع أن أجزم بأنه هو الذي أخذنا ليهوي بنا جميعا في هوة سحيقة لانقبلها ولكننا نبذل أقصي مافي وسعنا للتعايش معها وإيجاد المبررات التي تعييننا عليها. فكما يبذل الأخرون مجهودا لإيجاد المبررات فيمايفعلونه بنا نبذل نحن جهدا مضاعفا لإيجاد المبررات التي تعيننا علي قبول مايفعلونه بنا حسب قناعتهم بدون أن يتغص علينا هذا حياتنا.

عندما يعمد الأخرون إلي أخذ مايريدونه بقوة الذراع فإنني لاأستطيع أن ألومهم علي ذلك لإن لكل منا ثقافته ومفاهيمه . ولكن عندما نركن نحن إلي قبول أن تُأخذ منا حقوقنا عنوة بل ونحاول أن نقنع أنفسنا أننا لن نتمكن من تغيير المجتمع كله وأن هذا الأمر أصبح فرض عين ، فإنني لاألوم إلا نفسي لإنني قبلت أن أكون كالشيطان الأخرس ومن منا لم يقبل. إن إحساسنا بالضعف هو الذي ولّد عند الآخريين إحساسهم بقوة منطقهم وأعطاهم الحق في فرضه علينا مادمنا الضعفاء.

ليست هناك تعليقات: