الجمعة، أبريل 16، 2010

15 - شيزوفرينيا .... شيزوفرينيا


من منا لايصدق في إنتشار ثقافة الذراع في عموم الشعب المصري سواء بالتطبيق أو بالإستسلام إلي التطبيق ؟

من منا لايشعر بمستوي الإنحدار الذي نسير فيه ونحن مغمضين أعيننا حتي لانري الهوة التي نحن إليها سائرون ؟

من منا لم يكتوي بنيران هذه الثقافة ولم يجلس في موضع المُستَحَل وهو يشعر بالخزي لما أوصلنا إليه أنفسنا ؟

إنني علي أشد القناعة بأننا جميعا ننظر من نفس النافذة لنري نفس المشاهد ونسمع نفس التعليقات ونكتوي بنفس النيران ، بل أنني علي أشد القناعة بإن كل واحد منا يستطيع أن يكتب مجلدا كاملا عن معاناته مع هؤلاء المتذرعين من حوله وهم يستحلون أدميته ومصريته ببرود يحسدون عليه.

منادي السيارات الذي يستوقفك وأنت خارج بسيارتك من الموقف وينظر إليك وكأنه يأمرك أن تعطيه المعلوم حتي تشعر بينك وبين نفسك أنه علي حق وإنك إن لم تدفع له فكأنما أنت تسرقه .......... إستحلال

عامل محطة الوقود الذي يتلكأ في تلميع زجاج سيارتك بعدما تنتهي من تعبئة سيارتك حتي يجبرك علي ترك المعلوم وبحيث أنه إذا لم يكن متوفرا لديك جنيهات فكة فإنك تعتذر منه وتضع وجهك في الأرض وأنت تفر من أمامه ..... إستحلال

عامل نظافة التواليت الذي يخبئ ورق التواليت المجاني ليعطيه إليك عند دخولك وكأنه يتفضل عليك ويعطيك من أملاكه لتجد نفسك مضطرا لأن تعطيه مالايستحقه عن خدمة لم يؤديها ........ إستحلال

سائق السيارة الذي يسير في مسار ثعباني متنقلا بين الحارات المرورية وكأن بحوزته صكوك ملكية هذه الحارات و هو يطالبك بالإبتعاد عن طريقه عندما ينظر لك نظرة مرات الأب إن أنت وقعت في مساره الأفعواني .......... إستحلال

من قام بركن سيارته في صف ثاني أمام سيارتك ليقضي مصلحة له علي عجالة ويطالبك بأن تنتظر حتي ينتهي بل وعلي إستعداد لإن يدخل معك في شجار لإنك لم تستطيع معه صبرا .......... إستحلال

عسكري المرور الذي ترك وظيفته في تنظيم المرور وأصبح يعمل في التفتيش علي المخالفات وتثمينها ...... إستحلال

المدرس الذي يقبل أن يدرس لخمسين تلميذا في مركز تعليمي ولايستطيع ذلك في المدرسة .......... إستحلال

الجزار الذي وصل بسعر الكيلو إلي ستين جنيها ولم يخاف أن تقل مبيعاته لإن الغنم كثير أكلين ومأكولين ............. إستحلال

والمهندس والطبيب والمحامي والترزي والمكوجي والحلاق ...... كٌلنا نستَحِل كُلنا.

كُلنا نجلس في نفس المقعد الذي أصبحنا لانملك غيره .... مقعد واحد يستحل فيه بعضنا البعض لكي نكون اليوم مُستَحَلين ثم نأتي غدا لنكون نحن المُستَحِلين.



كُلنا نستَحِل كُلنا.

كُلنا لانوافق علي كل ماذكرته بل ونحكي عن معاناتنا وتضررنا من هؤلاء الذين يستحلونا كل يوم ، بل كل لحظة في سبيلهم لكي يحققوا مايريدونه غير عابئين بنا ولا بإحتياجاتنا ولا بمكانتنا.

كلنا نشكو مر الشكوي من الحياة التي أصبحت صعبة وغير أدمية في مصر والحكومة التي لاتقوم بدورها والعشوائيات التي تحيط بنا وتفرض علينا ثقافتها والإعلام الذي يستبيح عقولنا ويلعب علي مشاعرنا ليفرض علينا مايراه ويملي علينا أفكارنا . بل أننا كُلنا نشكو الأخلاقيات التي تغيرت والقيم الإجتماعية الجميلة التي أصبحنا نفتقدها في هذا الزمن المسخ.

كُلنا نرفض كلنا .....

كُلنا نشكو كلنا ......

كُلنا نستَحِل كلنا .....

ولكن أين نقبع نحن ؟ أين نجلس ؟ ماذا نشاهد ؟ كيف نري ؟

لقد تحولنا جميعا فجأة إلي معلقين علي المباراة يجلس كل واحد منا في كابينة التعليق ويفتح الميكروفون ويبدأ في التعليق علي الأحداث حسب رؤيته وإنتماؤه ومزاجه الشخصي وقت التعليق . ولكن مكمن الكوميديا هنا أنه لايوجد فريق يؤدي ولايوجد لاعبين في الملعب ولكن يوجد جمهور كبير جدا من المعلقين الذين لم ينتبهوا إلي أن الملعب أصبح خالي من اللاعبين وأخذتهم الحماسة ليعلقوا علي بعضهم البعض بحيث يجلس كل معلق منا وهو ينتقد أرضية الملعب والقائمين علي الصيانة والصوت العالي للمعلقين الآخريين وشاشة الإستاد التي لاتعمل وباب الكابينة الذي لايستطيع إغلاقه وزحام الطريق بالخارج ولكي يستكمل المشاهد الإبداعية فلابد من ذكر ماكان يحدث زمان عندما كنا نفعل كذا وكذا ...... وكذا .........وكذا ..........

نعلق علي الأحداث وننسي أن هناك مباراة يجب أن تُلعب وأن لكل منا دوره في هذه المباراة وأنه لايصح أبدا أن نجلس جميعا في نفس المقعد ، في نفس الجهة ، في نفس الإتجاه لنري جميعا مايحدث أمامنا ولانري مايحدث خلفنا .

هل تستطيع أن تري مايحدث خلف ظهرك ؟ بطبيعة الحال لايمكن لأحد منا ذلك إلا إذا وضع أمامه مرأة ليري فيها مايحدث خلفه وإن كان سيري كل شئ بالمقلوب بحيث أن اليمين في الصورة هو اليسار في الأصل

ولكني أعتقد أن الطريقة الصحيحة لرؤية مايحدث خلفنا هو أن نجلس في صفوف متقابلة بحيث يستطيع كل صف رؤية مايحدث أمامه والذي هو خلف الجهة المقابلة وأن نقوم بتعزيز الثقة بيننا حتي نصل فيها إلي المرحلة التي تؤهلنا لإن نتقبل رأي الذين يقفون أمامنا وفي عكس إتجاهنا لا لإنهم أهل ثقة ولا لإنهم يدينون لنا بالولاء ولا لإنهم يتفقون معنا في الرأي ولكن لإنهم يرون مالانراه وهو مايعني في المقابل أننا أيضا نري مالايرونه.



إن شدة الكوميديا التي نحياها ونعيش بها والتي لاتضحكنا ولكن للأسف أنها قد تبكينا أننا جميعا نرفض ثقافة الذراع وهذه الأساليب التي يتبعها الآخريين ونراهم جميعا وهم يدمرون مصرنا العزيزة بإصرارهم علي أن يستحلونا ويسحلونا. ولكننا لاننظر إلي أنفسنا لنعرف إن كنا نحن أيضا منهم أو إن كنا قبلناهم وقبلنا فكرهم بل وطبقناه سواء بقصد أو بدون قصد لنصبح نحن أيضا من المتذرعين.

إنها حالة عامة من الإنفصام التي نحياها جميعا بدون ضجر أو إستغراب منا جميعا .....

كلنا نلبس قناع المعلق الذي يري أخطاء الأخريين ويرصدها ويعلق عليها ويقارنها بالزمن الجميل ، وتأخذنا شهوة التعليق وتصاعد الأحداث لننسي أن ننظر لأنفسنا ونعلق علي حالة الشيزوفرينيا التي وصلنا إليها لإننا وببساطة جدا نتذرع علي الأخريين أو نقبل أن يتذرع علينا الآخريين ولكننا نجد لأنفسنا دائما الأسباب التي تقنعنا بسلامة موقفنا – موقف المضطريين في أغلب الأحوال – وإن كنا لانقبل هذه الأسباب للآخريين.

لقد وصلت الكوميديا مداها عندما قبلنا أن نتضرر من الآخريين الذين يؤرقون مضاجعنا بإستحلالهم لنا ونسينا أننا نحن أيضا بدافع الإضطرار نقوم بما يفعله الأخريين بدافع الإستحلال. نعم إنها قمة الكوميديا السوداء التي لانملك معها إلا الضحك حتي البكاء علي ماوصلنا إليه مُستحَلين و مُستحِلين.

لقد قمت هنا بعرض بعض المواقف التي نتعرض لها جميعا في حياتنا اليومية وتجعلنا نفقد الأمل في الإصلاح لهذا البلد الآمن – سواء رضينا أو أبينا – وتعطي كل واحد منا الذريعة لكي يشكو البلد والقائمين عليها وأخلاقيات الناس والتعاملات بل وتعطي شبابنا الحجة لكي يهربوا في مراكب بالية - يغرق معظمها – لكي يذهبوا إلي أوروبا والدول المتقدمة ، ولكنني أود أن تذهبوا بفكركم إلي أبعد من هذا .......... بعيد عن نظرتكم لما حولكم

إذهبوا إلي داخلكم ....... إلي أغوار أنفسكم .......... إلي أعماق شخصيتكم

من منا يسير في الحارة المرورية المخصصه له ؟ وطبعا ستقولون أنه لايوجد حارة مرورية ولايوجد خط أبيض فاصل في معظم طرقنا ، ولكن من منا يصر علي السير في طريق مستقيم واضح ومحدد له – حتي وإن لم تقم الحكومة بتحديده بخط أبيض - بدون أن يجور علي من حوله .

من منا يصر علي أن يقضي مهامه بدون الإستسلام لطالبي الإكراميات والقهوة والشاي والفطور والغداء؟ وطبعا ستقولون أنكم لن تتمكنوا أبدا من إنهاء معاملاتكم بدون هذه الأساليب والمقننات الإجتماعية الإلزامية ، بل إن البعض منا قد يذهب إلي تكليف أشخاص أخريين لإنهاء هذه المعاملات وتولي مقنناتها وكأنه بهذا قد ألقي بتبعتها من علي كاهله ، ويبقي السؤال عن قدرتنا علي أن نسير في طريق مستقيم واضح محدد له بدون أن نجور علي حق أحد أو أن نسمح لأحد أن يجور علي حقنا.

من منا يقف في الطابور ؟ وطبعا سأجد الكثيرين منا يجيب أنه يقف إذا أضطر لذلك ، ولكنني أسأل عن من يقف في الطابور ليس لإنه مضطرا ولكن لإن هذه هي القاعدة ، عن من يقف في الطابور وهو لايشعر بحرج في ذلك ولايتململ من الإنتظار ولايمني نفسه بأن يهبط عليه طائر الرخ لينتشله من وسط هذا الطابور ويضعه في المقدمه لينهي معاملته.



من منا لايري السوء في مجتمعنا ؟

ولكن من منا يعمل بصدق وأمانه علي أن يغير نفسه أولا قبل أن يطلب من الآخريين أن يتغيروا .....

من منا يصدق أنه هو بذاته ثقل في هذا المجتمع حتي وهو فرد واحد وسط ثمانين مليون ، قد تكون النسبة خيالية للبعض ولكنها في علم الحساب نسبة صحيحة يمكن إستخدامها في معادلات حسابية وتؤدي إلي نتائج صحيحة.

نعم واحد من ثمانين مليون هي نسبة يتم قبولها بشرط أن تكون صحيحة ، بشرط أن تكون خالية من الشيزوفرينيا ، بشرط أن يكون الواحدمنا هو واحد صحيح إذا قسمت عليه أي رقم كان الناتج هو رقم صحيح أيضا. فالواحد الصحيح هو الرقم الوحيد الذي يعطي ناتج ضربه أو القسمه عليه رقم صحيح.

دعونا نخرج من حالة الشيزوفرينيا التي تسيطر علينا ، دعونا ننظر إلي داخلنا لنري كم التذرعات التي نقوم بها ونقبلها من أنفسنا حتي نستطيع إذا رأيناها في غيرنا وتألمنا منها أن نعرف كم الألم الذي نسببه لمن حولنا.

دعونا نقف معا واحد صحيح بجانب واحد صحيح لنكون معا فريق الأمل ، لنبدأ معا أول طريق الإصلاح بشرط أن لانفقد الأمل لأنه لن يفيدنا أبدا أن نري الطريق وقد سُد علينا وأنه لايوجد مخرج من هذا النفق المظلم وإلا سنكون قد أوصلنا أنفسنا إلي مانحن فيه الآن من الإستسلام لما هو كائن وقبولنا أن نُستحَل وتعايشنا مع الثقافة التي لاتريد منا فقط إلا قبولها.

إن كنت لاتعلم قدرك ولا قدراتك ، فإعلم أن الله لن يحاسبك علي مايفعله الآخريين من صلاة وصيام ومايفعله البعض الآخر من سيئات ومعاصي ، ولكنك ستحاسب علي أفعالك وقناعاتك ودروك في خدمة مجتمعك . فلاتلقي بالتبعية علي الآخريين لأنهم أوصلونا إلي ماوصلنا إليه وتنسي أنك أنت أيضا مطالب أن تبدأ دورك ولو بنفسك ولنفسك في الإصلاح وأن تقبل أن تكون واحد صحيح يفعل الصحيح ولايقبل إلا الصحيح

إذا عزمت علي التصحيح ، فإبدأ ولو بنفسك لتكون أنت نفسك ..... واحد صحيح.

ليست هناك تعليقات: